هذه العبارة المشهورة قالها العلامة ترتليانوس ، الذي عاش وسط الاضطهادات ، في النصف الأخير من القرن الثاني ، وكان من أكبر المتحمسين للاستشهاد ... و لقد أثبتت الأيام و السنين و الأحداث صحة هذا القول ... و قد قال أيضا موجها كلامه إلى الحكام الوثنيين : " استمروا في تعذيبنا ، اطحنوننا إلى مسحوق ، فان اعدادنا تتزايد بقدر ما تحصدوننا ! ان دماء المسيحيين لهى بذار محصولهم ، إن عنادكم هو في ذاته معلم . لأنه من ذا الذي بعد انضمامه إلينا لا يشتاق إلى التألم ؟ ".
إن الاستشهاد بنتائجه برهان عملي لقول رب المجد "إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها ، و لكن إن ماتت تأتى بثمر كثير" (يو 12: 24) .
و في ذلك يقول يوستينوس الشهيد في دفاعه : "ها أنت تستطيع أن ترى بوضوح انه حينما تنقطع رؤوسنا، و نصلب، و نلقى للوحوش المفترسة، ونقيد بالسلاسل، ونلقى في النار وكل أنواع التعذيب ،إننا لانترك إيماننا . بل بقدر ما نعاقب بهذه الضيقات ، بقدر ما ينضم مسيحيون أكثر إلى إيماننا وديانتنا باسم يسوع المسيح .إن الكرام يقطع أغصان الكرمة التي تحمل ثمارا، حتى تنمو أغصان أخرى . وهذا يصيرها أكثر حيوية و أكثر أثمارا . وهذا ما يحدث معنا فالكرمة التي غرست بواسطة الله مخلصنا يسوع المسيح هي شعبه " .
والعجيب إن الرب يسوع أرسل تلاميذه كحملان بين ذئاب (لو 10 : 3)!! .. كيف هذا .. ألا يخشى الله أن تفتك الذئاب بالحملان؟ كلا، إنها لاتفتك بها، بل إن ما حدث هو العكس فالحملان تحول الذئاب إلى حملان مثلها.
يقول القديس أغسطينوس: " تأملوا يا أخوتي ماذا يفعل يسوع .. إن ذئبا واحدا لو ألقى بين غنم كثير، ولو بلغوا عدة آلاف، لارتعب القطيع كله على الرغم من عدم قدرة الذئب على افتراس القطيع كله، لكن الكل يخافون ... فأي مشورة و أي تدبير، وأية قوة هذه، حتى لا يبث الله ذئبا وسط الغنم، بل يرسل غنما وسط الذئاب!! انه لا يقترب بهم نحو الذئاب بل في وسط الذئاب .. لقد كان هناك قطيع من الذئاب و قلة من الغنم ، فعندما افترست الذئاب الكثيرة الغنمات القليلة تحولت الذئاب إلى غنم .
لقد آمن كثيرون بسبب آلام الشهداء وموتهم ، بما صاحب استشهادهم من معجزات، وما أظهروه من ثبات و احتمال و صبر ... و قد لا أكون مبالغاً إن قلت، إن الإيمان المسيحي انتشر باستشهاد القديسين أكثر مما أنتشر بتعليم المبشرين .. فالدماء روت بذار الإيمان فصارت دوحات عظيمة ، استظل بها كثيرون ..
لقد كسب المسيحيون الأوائل للمسيح كثيرون، وقد نالوا هذا الكسب بموتهم أكثر مما نالوه بحياتهم أو معجزاتهم . و كما ينمو الحشيش أكثر كلما يجز، هكذا المسيحيون كانوا ينهضون بقوة جديدة كلما كانوا يحصدون .
0 التعليقات:
إرسال تعليق